فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأجاز أبو حاتم والزجاج {وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} على التوكيد للمضمر الذي في {آتيتهن}.
والفراء لا يجيزه، لأن المعنى ليس عليه، إذ كان المعنى وترضى كل واحدة منهن، وليس المعنى بما أعطيتهن كلهن.
النحاس: والذي قاله حسن.
الحادية عشرة: قوله تعالى: {والله يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ} خبر عام، والإشارة إلى ما في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من محبة شخص دون شخص.
وكذلك يدخل في المعنى أيضًا المؤمن.
وفي البخاريّ عن عمرو بن العاص: «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أيّ الناس أحبّ إليك؟ فقال: عائشة فقلت: من الرجال؟ قال: أبوها قلت: ثم مَن؟ قال: عمر بن الخطاب، فعدّ رجالًا» وقد تقدّم القول في القلب بما فيه كفاية في أوّل البقرة، وفي أول هذه السورة.
يروى أن لقمان الحكيم كان عبدًا نجارًا قال له سيّده: اذبح شاة وائتني بأطيبها بَضْعتين، فأتاه باللسان والقلب.
ثم أمره بذبح شاة أخرى فقال له: ألق أخبثها بَضْعتين، فألقى اللسان والقلب.
فقال: أمرتك أن تأتيني بأطيبها بَضْعتين فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك أن تُلقي بأخبثها بَضْعتين فألقيت اللسان والقلب!؟ فقال: ليس شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خَبُثا.
{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)}.
فيه سبع مسائل:
الأولى: اختلف العلماء في تأويل قوله: {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء مِن بَعْدُ} على أقوال سبعة:
الأولى: أنها منسوخة بالسُّنة، والناسخ لها حديث عائشة، قالت: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحلّ له النساء.
وقد تقدّم.
الثاني: أنها منسوخة بآية أخرى، روى الطحاويّ عن أم سلمة قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحلّ الله له أن يتزوج من النساء من شاء؛ إلا ذات مَحْرم، وذلك قوله عز وجل: {تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وتئوي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ}.
قال النحاس: وهذا والله أعلم أولى ما قيل في الآية؛ وهو قول عائشة واحد في النسخ.
وقد يجوز أن تكون عائشة أرادت أحلّ له ذلك بالقرآن.
وهو مع هذا قول عليّ بن أبي طالب وابن عباس وعليّ بن الحسين والضحاك.
وقد عارض بعض فقهاء الكوفيين فقال؛ محال أن تنسخ هذه الآية يعني: {تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ} {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء مِن بَعْدُ} وهي قبلها في المصحف الذي أجمع عليه المسلمون.
ورجح قول من قال نسخت بالسُّنّة.
قال النحاس: وهذه المعارضة لا تلزم وقائلها غالط؛ لأن القرآن بمنزلة سورة واحدة، كما صحّ عن ابن عباس: أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في شهر رمضان.
ويبين لك أن اعتراض هذا المعترض لا يلزم أن قوله عز وجل: {والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعًا إِلَى الحول غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] منسوخة على قول أهل التأويل لا نعلم بينهم خلافًا بالآية التي قبلها {والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234].
الثالث: أنه صلى الله عليه وسلم حظر عليه أن يتزوّج على نسائه؛ لأنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة؛ هذا قول الحسن وابن سيرين وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
قال النحاس: وهذا القول يجوز أن يكون هكذا ثم نسخ.
الرابع: أنه لما حرم عليهن أن يتزوّجن بعده حُرم عليه أن يتزوج غيرهن؛ قاله أبو أمامة بن سهل بن حُنَيف.
الخامس: {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء مِن بَعْدُ} أي من بعد الأصناف التي سُميّت؛ قاله أُبَيّ بن كعب وعكرمة وأبو رَزين، وهو اختيار محمد بن جرير.
ومن قال إن الإباحة كانت له مطلقة قال هنا: {لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} معناه لا تحل لك اليهوديات ولا النصرانيات. وهذا تأويل فيه بُعْدٌ. وروي عن مجاهد وسعيد بن جُبير وعكرمة أيضًا. وهو القول السادس.
قال مجاهد: لئلا تكون كافرة أمَّا للمؤمنين.
وهذا القول يبعد؛ لأنه يقدّره: من بعد المسلمات، ولم يجر للمسلمات ذكر.
وكذلك قدّر وَلاَ أَنْ تبَدَّلَ بِهِنَّ أي ولا أن تطلق مسلمة لتستبدل بها كتابية.
السابع: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان له حلال أن يتزوّج من شاء ثم نسخ ذلك.
قال: وكذلك كانت الأنبياء قبله صلى الله عليه وسلم؛ قاله محمد بن كعب القُرَظِي.
الثانية: قوله تعالى: {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} قال ابن زيد: هذا شيء كانت العرب تفعله، يقول أحدهم: خذ زوجتي وأعطني زوجتك، روى الدَّارَقُطْنِيّ عن أبي هريرة قال: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك؛ فأنزل الله عز وجل: {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} قال: فدخل عُيينة بن حِصْن الفَزَارِيّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة، فدخل بغير إذن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عُيينة فأين الاستئذان؟ فقال: يا رسول الله، ما استأذنت على رجل من مُضَرَ منذ أدركت. قال: مَن هذه الحميراء إلى جنبك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه عائشة أم المؤمنين قال: أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق. فقال: يا عُيينة، إن الله قد حرّم ذلك».
قال فلما خرج قالت عائشة: «يا رسول الله، مَن هذا؟ قال: أحمق مطاعٌ وإنه على ما ترين لَسَيّدُ قومه» وقد أنكر الطبريّ والنحاس وغيرهما ما حكاه ابن زيد عن العرب، من أنها كانت تبادل بأزواجها.
قال الطبريّ: وما فعلت العرب قط هذا، وما روي من حديث عيينة بن حِصن من أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة الحديث؛ فليس بتبديل، ولا أراد ذلك، وإنما احتقر عائشة لأنها كانت صبية فقال هذا القول.
قلت: وما ذكرناه من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة من أن البدل كان في الجاهلية يدلّ على خلاف ما أنكر من ذلك، والله أعلم.
قال المبرد: وقُرئ {لاَ يَحِل} بالياء والتاء. فمن قرأ بالتاء فعلى معنى جماعة النساء، وبالياء من تحت على معنى جميع النساء.
وزعم الفراء قال: اجتمعت القراء على القراءة بالياء؛ وهذا غلط، وكيف يقال: اجتمعت القراء وقد قرأ أبو عمرو بالتاء بلا اختلاف عنه!.
الثالثة: قوله تعالى: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} قال ابن عباس: نزل ذلك بسبب أسماء بنت عُمَيس؛ أعجب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين مات عنها جعفر بن أبي طالب حُسنها، فأراد أن يتزوّجها، فنزلت الآية؛ وهذا حديث ضعيف قاله ابن العربيّ.
الرابعة: في هذه الآية دليل على جواز أن ينظر الرجل إلى من يريد زواجها.
وقد أراد المغيرة بن شُعبة زواج امرأة، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «انظر إليها فإنه أجدر أن يُؤْدم بينكما».
وقال عليه السلام لآخر: «انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئًا».
أخرجه الصحيح.
قال الحميديّ وأبو الفرج الجوزيّ: يعني صفراء أو زرقاء، وقيل رمصاء.
الخامسة: الأمر بالنظر إلى المخطوبة إنما هو على جهة الإرشاد إلى المصلحة؛ فإنه إذا نظر إليها فلعله يرى منها ما يرغبّه في نكاحها.
ومما يدلّ على أن الأمر على جهة الإرشاد ما ذكره أبو داود من حديث جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل» فقوله: «فإن استطاع فليفعل» لا يقال مثله في الواجب.
وبهذا قال جمهور الفقهاء مالك والشافعيّ والكوفيون وغيرهم وأهل الظاهر.
وقد كره ذلك قوم لا مبالاة بقولهم؛ للأحاديث الصحيحة، وقوله تعالى: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ}.
وقال سهل بن أبي حثمة: رأيت محمد بن مسلمة يطارد ثُبَيْتَة بنت الضحاك على إجَّار من أجاجير المدينة فقلت له: أتفعل هذا؟ فقال: نعم! قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذا ألقى الله في قلب أحدكم خِطْبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها» الإجّار: السطح، بلغة أهل الشام والحجاز.
قال أبو عبيد: وجمع الإجار أجاجير وأجاجرة.
السادسة: اختلف فيما يجوز أن ينظر منها؛ فقال مالك: ينظر إلى وجهها وكفيّها، ولا ينظر إلا بإذنها.
وقال الشافعيّ وأحمد: بإذنها وبغير إذنها إذا كانت مستترة.
وقال الأوزاعيّ: ينظر إليها ويجتهد وينظر مواضع اللحم منها.
قال داود: ينظر إلى سائر جسدها؛ تمسكًا بظاهر اللفظ.
وأصولُ الشريعة تردّ عليه في تحريم الاطلاع على العورة.
والله أعلم.
السابعة: قوله تعالى: {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} اختلف العلماء في إحلال الأَمَة الكافرة للنبيّ صلى الله عليه وسلم على قولين: تحلّ لعموم قوله: {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ}؛ قاله مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحكم.
قالوا: قوله تعالى: {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء مِن بَعْدُ} أي لا تحلّ لك النساء من غير المسلمات، فأما اليهوديات والنّصرانيات والمشركات فحرام عليك؛ أي لا يحلّ لك أن تتزوّج كافرة فتكون أُمًّا للمؤمنين ولو أعجبك حسنها؛ إلا ما ملكت يمينك، فإن له أن يتسرّى بها.
القول الثاني: لا تحلّ؛ تنزيهًا لقدره عن مباشرة الكافرة، وقد قال الله تعالى: {وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} [الممتحنة: 10] فكيف به صلى الله عليه وسلم.
وما في قوله: {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} في موضع رفع بدل من النساء.
ويجوز أن يكون في موضع نصب على استثناء، وفيه ضعف.
ويجوز أن تكون مصدرية، والتقدير: إلا ملك يمينك، ومِلك بمعنى مملوك، وهو في موضع نصب لأنه استثناء من غير الجنس الأول. اهـ.

.قال أبو السعود:

{تُرْجِى مَن تَشَاء مِنْهُنَّ} أي تُؤخِّرها وتتركُ مضاجعتَها {وَتُئْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاء} وتضمُّ إليكَ مَن تشاءُ منهنَّ وتُضاجعها أو تطلِّق مَن تشاءُ منهنّ وتُمسك مَن تشاءُ. وقُرئ تُرجىء بالهمزةِ والمعنى واحدٌ.
{وَمَنِ ابتغيت} أي طلبتَ {مِمَّنْ عَزَلْتَ} طلَّقتَ بالرَّجعةِ {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} في شيءٍ مَّما ذُكر وهذه قسمةٌ جامعةٌ لما هو الغرضُ، لأنَّه إمَّا أنْ يطلِّقَ أو يمسكَ فإذا أمسكَ ضاجعَ أو تركَ وقسمَ أو لم يقسم، وإذا طلِّق فإمَّا أنْ يخلِّيَ المعزولةَ أو يبتغيَها. ورُوي أنَّه أَرْجى منهنَّ سَوْدةَ وجُويريةَ وصفيَّةَ وميمُونةَ وأمَّ حبيبةٍ فكانَ يقسمُ لهنَّ ما شاءَ كما شاءَ وكانتْ ممَّا آوى إليهِ عائشةُ وحفصةُ وأمُّ سلمةٍ وزينبُ. وأرجَى خمْسًا وآوى أربعًا، ورُوي أنَّه كان يُسوِّي بينهنَّ مع ما أُطلق له وخُيِّر، إلا سودَة فإنَّها وهبتْ ليلتَها لعائشةَ رضي الله عنهنَّ وقالتْ: لا تُطلِّقْني حَتَّى أُحشرَ في زُمرةِ نسائكِ {ذلك} أي ما ذُكر من تفويضِ الأمرِ إلى مشيئتِك {أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمِآ ءَاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} أي أقربُ إلى قُرَّةِ عُيونهنَّ ورضاهنَّ جميعًا لأنَّه حكمٌ كلُّهنَّ فيهِ سواءٌ ثمَّ إنْ سَوَّيتَ بينهنَّ وجدنَ ذلكَ تفضُّلًا منكَ وإنْ رجَّحت بعضهنَّ علمنَ أنَّه بحكمِ الله فتطمئنَّ به نفوسُهنَّ وقُرئ تُقِرَّ بضمِّ التَّاءِ ونصب أعينهنَّ وتُقَرُّ على البناءِ للفعمولِ وكلهنَّ تأكيدٌ لنونِ يرضينَ. وقُرئ بالنَّصبِ على أنَّه تأكيدٌ لهنَّ {والله يَعْلَمُ مَا في قلُوبِكُمْ} من الضَّمائرِ والخواطرِ فاجتهدُوا في إحسانِها {وَكَانَ الله عَلِيمًا} مُبالغًا في العلمِ فيعلمُ كلَّ ما تُبدونَهُ وتُخفونَهُ {حَلِيمًا} لا يُعاجلُ بالعقوبةِ فلا تغترُّوا بتأخيرِها فإنَّه إمهالٌ لا إهمالٌ.
{لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء}.
بالياءِ لأنَّ تأنيثَ الجمعِ غيرُ حقيقيَ ولوجودِ الفصلِ. وقُرئ بالتاء {مِن بَعْدُ} أي من بعدِ التِّسعِ وهو في حقِّه كالأربعِ في حقِّنا. وقالَ ابنُ عبَّاسٍ وقَتَادةُ: من بعدِ هؤلاء التَّسعِ اللاتِي خيرتهنَّ فاخترنَك وقيلَ من بعد اختيارِهنَّ الله ورسولَه ورضاهنَّ بما تؤتيهنَّ من الوصلِ والهُجرانِ.
{وَلاَ أَن تَبَدَّلَ} أي تتبدلَ بحذفِ إحدى التَّاءينِ {بِهِنَّ} أي بهؤلاءِ التِّسعِ {مِنْ أَزْوَاجٍ} بأنْ تُطلقَ واحدةً منهنَّ وتنكحَ مكانَها أُخرى. ومنْ مزيدةٌ لتأكيدِ الاستغراقِ أرادَ الله تعالى لهنَّ كرامةً وجزاءً على ما اخترنَ ورضينَ فقصرَ رسولَه عليهنَّ وهنَّ التِّسعُ اللاتِي تُوفَّي عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عنهنَّ وهُنَّ: عائشةُ بنتُ أبي بكرٍ، وحفصةُ بنتُ عمرَ، وأمُّ حبيبةٍ بنتُ أبي سُفياتَ، وسَوْدةُ بنتُ زَمْعَه، وأمُّ سلمةَ بنتُ أبي أُميَّة، وصفَّيةُ بنتُ حُيَى بنِ أخطبَ الخَيْبريَّةُ، وميمونةُ بنتُ الحارثِ الهلاليَّةُ، زينب بنتُ حجشٍ الأسديَّةُ، وجُريريةُ بنتُ الحارثِ المصطلِقيةُ. وقالَ عكرمةُ: المعنى لا يحلُّ لك النِّساءُ من بعدِ الاجناسِ الأربعةِ اللاتِي أحللناهنَّ لكَ بالصِّفةِ التي تقدَّم ذكرُها من الأعرابياتِ والغرائبِ أو من الكتابياتِ أو من الإماءِ بالنِّكاحِ ويأباهُ قولُه تعالى: {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ} فإنَّ معنَى إحلالِ الأجناسِ المذكورةِ إحلالُ نكاحهنَّ فلابد أنْ يكونَ معنى التبدلِ بهنَّ إحلالَ نكاحِ غيرِهنَّ بدلَ إحلالِ نكاحهنَّ وذلكَ إنَّما يُتصوَّرُ بالنَّسخِ الذي ليسَ من الوظائفِ البشريَّةِ {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} أي حسنُ الأزواجِ المستبدلةِ وهو حالٌ من فاعلِ تبدلَ لا من مفعولِه وهو من أزواج لتوغله في التنكيرِ قيل تقديرُه مفروضًا إعجابُك بهنَّ وقد مرَّ تحقيقُه في قولِه تعالى: {وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} وقيل: هي أسماءُ بنتُ عُميسٍ الخَثعميَّةُ امرأةُ جعفرِ بنِ أبي طالبٍ أي هي ممَّن أعجبَه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حسنُهنَّ. واختُلف في أنَّ الآيةَ محكمةٌ أو منسوخةٌ قيل: بقولِه تعالى: {تُرْجِى مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُئْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاء} وقيل: بقولِه تعالى: {إنَّا أحللنَا لكَ}. وترتيبُ النُّزولِ ليس على ترتيبِ المُصحفِ وقيل بالسنَّة وعن عائشةَ رضي الله عنها ما ماتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتَّى أحلَّ له النِّساءُ. وقالَ أنسٌ رضي الله عنه: ماتَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ على التَّحريم.
{إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} استثناءٌ من النِّساءِ، لأنَّه يتناولُ الأزواجَ والإماء وقيل: منقطعٌ {وَكَانَ الله على كُلّ شيء رَّقِيبًا} حافظًا مُهيمنًا فاحذرُوا مجاوزةَ حدودِه وتخطِّي حلالِه إلى حرامِه. اهـ.

.قال الألوسي:

{تُرْجِى مَن تَشَاء مِنْهُنَّ} أي تؤخر من تشاء من نسائك وتترك مضاجعتها {وَتُئْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاء} وتضم إليك من تشاء منهن وتضاجعها، وروي هذا عن قتادة.